146 مشاهدات
في تصنيف حل منهج تعليم سعودي بواسطة (1.8مليون نقاط)
هل معرفة الذات تتوقف على وجود الغير أم وجود الوعي

مقالة هل معرفة الذات تتوقف على وجود الغير أم وجود الوعي؟

هل معرفة الذات تكمن فيما يراه الغير فينا أم فيما نراه في أنفسنا؟

طرح المشكلة : يتميز الإنسان بكونه كائن حي فضوليا يطمح دائما إلى إدراك الحقيقة ومعرفة العالم الخارجي ، إلا أن هذا لم يثني عليه إقباله إلى معرفة ذاته ، وباعتباره كائنا عاقلا واعيا لأحواله الشعورية أصبح الاعتقاد بأن معرفة الذات تتوقف على الشعور بها ، وفي مقابل ذلك نجد أن صفة المدنية التي يتصف بها الإنسان تفرض وجود الآخر والغير حتى يدرك ذاته المتميزة عن هذا الغير وهو ما يوحي بضرورة وجود الغير لإدراك الذات هذا ما أدى إلى وجود اختلاف الفلاسفة حول معلاقة الذات فمنهم من يرى أن معرفة الذات تتوقف على وجود الغير ومنهم من يرى أن معرفة الذات تتوقف على وجود الوعي فإلى أي حد يصدق هذا الاعتقاد ؟ و هل معرفة الذات تكمن فيما يراه الغير فينا أم فيما نراه في أنفسنا ؟ أو بعبارة أخرى هل معرفة الذات تتوقف على وجود الغير أم وجود الوعي؟

وجودي يحصل بينه وبين الآخرين هو الذي يمكنه من إدراك نفسه وباختلافه عن الآخرين ، هذا الغير الذي يواجهنا ويصدر أحكاما حول ذواتنا هو الذي يدفعنا إلى التفكير في أنفسنا ، وهنا يقول الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر :" وجود الآخر شرط. فبالقياس ندرك نقائصنا وعيوبنا ومحاسننا ، وأحسن مثال على ذلك . إلى الغير أن التلميذ يعرف مستواه من خلال تقييم الأستاذ له ، وهذا ما يدل ويثبت أن الأنا عاجز عن معرفة مكانته وقيمته بنفسه ، لهذا فهو في حاجة إلى الغير الذي هو حسب سارتر الأنا الآخر الذي ليس أنا ، وأنا أعي ذاتي وأتعرف على نفسي من خلاله، فعندما أحس بأنني مختلف عن غيري فهنا أنا أعي ذاتي ، وهذا الوعي مصدره معرفتي لغيري وإلا فلن يتم هذا الوعي ، الشيء الذي يجعل الغير هو الوسيط وبين نفسي هو شعور لا يتحقق إلا من خلال حضور الغير في وعبي، ذلك أن هذا الشعور لا يمكن أن يتولد عن التأمل حيث يكون الفكر على صلة بنفسه فقط، إن الخجل في أصله خجل أمام شخص ما ، فإذا بدرت مني بادرة أو صدرت على حركة مبتذلة لم أشعر حيالها بشيء ولم ألم نفسي عليها طالما كنت وحدي، وإنما يختلف الأمر لو أدركت أن شخصا آخر قد المحلي ، عندئذ يتصاعد الدم إلى وجنتي ويتقصد جبيلي عرقا باردا فلا بد إذن من وجود الغير كواسطة بيني وبين نفسي لأنني أخجل من نفسي كما تبدو لغيري وأنا أتعرف على نفسي كما يراها الغير ، فالحجل إذن تعرف وهو خجل من نفسي أمام الغير هكذا أجدني في حاجة إلى الغير كما ) ادرك كل ما ا في في وجودي من مقومات، وهاهنا يحيلني الوجود لذاته إلى الوجود للغير وهما شكلان لا ينفصلان من الوجود ولا ينفكان عن الإحالة إلى بعضهما، فإذا أردنا أن نفهم أحدهما كان لابد من الإشارة إلى الآخر.

إذن فمعرفة الذات في نظر سارتر مشروطة بمعرفة الغير ووجوده ، وهذا ما يثبت أن العلاقة بين الذات والآخر علاقة تشينية صراعية كل واحد يشيئ الآخر ، هذه العلاقة المتوترة بين الطرفين تطرح إشكالا اجتماعيا وأزمة تواصل مع الآخر الغير إنساني ما دام موضوعا فاقدا لما هو إنساني، لذا يصبح في تصور سارتر مصدر خطر ما دام وجوده يعني لحظة النفي الأول للذات وجحيما يقول سارتر :" الجحيم هم الآخرون " التعامل مع الغير والاتجاه إليه.

محاولة حل المشكلة : الأطروحة الأولى :

معرفة الذات تتوقف على وجود الغير باعتباره الطرف المقابل الموجود خارجا عنا ، وهذا ما يثبت أن وجود الوعي غير كاف لمعرفة الذات وإثبات وجودها ، ذلك أن المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد والتفاعل الذي الضروري بيني أنا وبين نفسي لهذا اعتبر سارتر أنا الوعي بالذات لا يتحقق بحدس مباشر كما ادعى ذلك ديكارت ، بل يتحقق عبر الغير ومن خلاله لكن التساؤل المطروح هنا هو كيف يكون الغير وسيطا بيني وبين نفسي؟

يشرح سارتر وجهة نظره هذه من خلال مفهوم " نظرة الآخر " بقوله : إن نظرة الغير لي تجمدني وتحولني إلى مجرد شيء، ففي اللحظة التي أقع فيها تحت رقابة الغير الحط إلى مرتبة الأشياء ، ذلك ان هذه النظرة تجمد إمكانياتي وتسلبني حريتي ، وتقتل عفويتي وقدرتي على الفعل والمبادرة، وأكبر تشاهد على ذلك هو الخجل فهذا الشعور الذي يتحقق في داخلي وبيني عبارة عن فعل بارد تغيب فيه الإنسانية والإحساس بالتعاطف، وعليه يصبح الهدف من هذه العلاقة هو معرفة الآخر وليس التعرف والتعارف معه ما دام هذا الأخير غير مؤهل لإقامة علاقة و فعل تواصلي حقيقي مع الذات كونه موضوعا فاقد للإرادة والحرية.

هذه النظرة التي أكد عليها سارتر نجدها مجسدة في تصور هيجل الذي أكد بأن الآخر ضروري لوجود الذات ما دام الإنسان يعيش في علاقة معه أكثر ما يعيش في فرديته الخاصة ، فالوعي حسب هيجل هو وعي شقي يتطور وينمو من أجل بلوغ مرحلة الاكتمال بطريقة جدلية ، ففي البدء ينحصر إدراك الإنسان لذاته في الإحساس المباشر ما دام غارقا ومنغمسا في الحياة العضوية ، حيث يحيا بشكل حيواني من خلال غرائزه و مهمته تنحصر في الحفاظ على حياته الجسدية ، في هذه المرحلة تكون علاقته بالوجود والطبيعة علاقة مباشرة وحسية حيث يلغى كل ما هو مغاير له ولا يعترف إلا بحقيقته كذات في حين الآخر هو كذلك يملك حقيقته كذات ، وبعد مرحلة الإحساس المباشر يعمل الإنسان على تجاوز هذا الوجود الحسي حين تنتصر رغبته الإنسانية على رغبته الحيوانية ، وهو ما يعني أن تصب رغبات الذات على رغبات ذات آخر وليس على شيء طبيعي ، هذا الوضع يولد صراعا مع الآخر من أجل إشباع الرغبة ، وهو صراع من أجل الاعتراف على اعتبار أن تحقيق الوعي بالذات يعني نفي رغبة الآخر ما دامت الرغبة الإنسانية لا يمكن إشباعها إلا عن طريق النفي والقضاء على ما ليس أنا ، فالإنسان يتغذى على الرغبات " رغبات الآخرين " عكس الحيوان الذي يتغذى على الأشياء والإنسان لا يصبح كذلك إلا في حالة انتصار رغبته الإنسانية " الرغبة في السيادة " ، لذا تدخل الذات في صراع رغبات صراع حياة أو موت ، صراع من أجل الاعتراف ، هذا الصراع هو ما نتج عنه علاقة إنسانية ، علاقة السيد والعبد ، المنتصر والمخاطر بحياته الحيوانية يصبح سيدا ، أما العبد فيرغب في الحفاظ على حياته من داخل هذه العلاقة الصراعية ينشئ الوعي بالسيادة والوعي بالعبودية ، غير أن الموت الفعلي لا يحقق الاعتراف وإنما استسلام أحد الطرفين حين يفضل الحياة عن الموت ، هذا التصور الهيجلي مخالف للتصور العقلي " الديكارتي " الذي يؤسس وجود الذات على أساس المعرفة، حيث أن الإنسان العارف يبقى حبيس أو سجين الاطمئنان السلبي مادام يعي ذاته ويتمثل باقي الموجودات بشكل شفاف وفق عملية استدلالية تأملية. باعتبار أن تصور هيجل ينظر للإنسان على أنه كائن يتغذى على الرغبات ، وتحقيق الرغبة يدفعه إلى الخروج من حالة الاطمئنان السلبي إلى العمل لإشباع رغبته ، وإشباع الرغبات لا يتم إلا عن طريق النفي. إضافة إلى هذا كله نجد أن استقراء علاقة الإنسان بغيره يثبت ما للمجتمع من دور فعال في تنظيم نشاط الفرد وتربيته منذ الوهلة الأولى باعتباره المرأة التي يرى الفرد فيها نفسه ويدركها ، يقول واطسن " الطفل مجرد عجينة يصنع منها المجتمع ما يشاء ، وذلك من خلال الوسائل التي يوفرها ، فكلما كان الوسط الاجتماعي أرقى وأوسع كانت الذات أنمى وأكثر اكتمالا ، وعليه يمكن التمييز بين الأفراد من خلال البيئة التي يعيشون فيها ، فالفرد كما يقول دوركايم الانسان ابن بيئته ومرأة تعكس صورة مجتمعة ، فمن غير الممكن أن يتعرف على نفسه إلا من خلال اندماجه داخل المجتمع واحتكاكه بالغير.

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (1.8مليون نقاط)
مختارة بواسطة
 
أفضل إجابة
تابع مقالة " هل معرفة الذات تتوقف على وجود الغير أم وجود الوعي؟  

لو عاش الفرد منعزلا في جزرة بعيدة لما علم عن نفسه شيء ، وهذا ما يثبت ويؤكد دور الآخر والغير في معرفة الذات لذاتها ، لهذا لا يمكننا تصور وجود ذات منعزلة عن الغير ، هذا التصور أكد عليه أيضا هيدغر من خلال تأكيده بأنه لا وجود لذات معزولة عن الذوات الأخرى، ذلك أن الموجود هنا غالبا ما ينشغل بعالم الحياة اليومية، وإن مشاغل هذا العالم تستحوذ على اهتمامه فيقع تحت نفوذ ما يمكن أن نسميه ذات الحياة اليومية التي هي( ال هم ". هذا الموجود المشترك يذيب الأنا و وينزع عنه كل ما يتميز به أو ينفرد به، ذلك أنه يخلق حالة اللامبالاة وجعل الذوات متماثلة ومتشابهة، فيفقد كل واحد ما له من أصالة وتميز ، حيث يصبح الهم معيارا وسطا بين الأنا والغير ، وتصبح الأنا تدرك نفسها ضمن الآخر والعكس صحيح.

النقد صحيح أن الفرد يعيش مع الغير ، لكن هذا الغير لا يدرك منا إلا المظاهر الخارجية التي لا تعكس حقيقة ما يجري بداخلنا من نزوات خفية وميول ورغبات ، وهذه المظاهر بإمكاننا اصطناعها والتظاهر بها كالممثل السينمائي الذي يصطنع الانفعالات أو الخجل عند رؤيته للغير ، كما أن أحكام الغير ليست واحدة ، وهذا ما يثبت عجز الغير في تحديد ملامح شخصية الأطروحة الثانية معرفة الذات تتوقف على وجود الوعي باعتباره نشاط فردي يقوم به الفرد مع ذاته ، كما أنه حدس نفسي الأنا ومعرفة هذا الأخير لذاته.

يمكن الفرد من إدراك ذاته وأفعاله، وأحواله النفسية إدراكا مباشرا دون واسطة خارجية، وهذا ما جعل سقراط قديما يؤكد على أن معرفة الذات تتوقف على وجود الوعي ، وذلك من خلال مقولته المشهورة " أعرف نفسك بنفسك " ، هذه المقولة تنفى وجود تأثير للغير أو الآخر على الذات، كما أكد على ذلك العديد من الفلاسفة أمثال سارتر وهيجل... فالشعور بالوحدة أو الخوف،أو الفرح وغيرها من الحالات النفسية ما هي إلا حالات خاصة بالفرد ، ذلك أن الشعور يعرف ولا يعرف ، يدركه الفرد بذاته لا بتأثير غيره، وهذا هو أيضا مضمون مقولة مان دي بيران : إن الشعور يستند إلى التمييز بين الذات الشاعرة والموضوع الذي تشعر به. فالموضوع قد يكون شيئا خارجيا أو داخليا لهذا لا يمكن أن يكون هذه الذات نفسها ، لأن وجود هذه الأخيرة وجودا قائما بذاته لا دخل للأشياء الأخرى في بنائه أو إيجاده، وذلك لأن الأنا هو شعور الذات بذاتها، والكائن الشاعر بذاته هو من يعرف أنه موجود، وأنه يدرك ذاته بواسطة التفكير، وإذا أردنا أن نتتبع وجهة النظر هذه فما علينا إلا أن تتطرق إلى تصور الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت حول هذه المسألة ، حيث نجده انطلق من الشك في وجود الغير وفي وجود العالم على أساس أن الحواس تخدعنا ومصدر غير موثوق في المعرفة ، وأن معرفتنا السابقة بالأشياء غير دقيقة وغير يقينية ، لكنه لم يتمكن في أنه يشك ، ومادام الشك موجودا فلا بد من وجود الذات التي تشك ، ومادام الشك ضربا من ضروب التفكير فلا يمكن للفرد أن يشك في وجوده ، وهذا هو مضمون الكوجيتو الديكارتي :" أنا أفكر إذن أنا موجود " والذي أقصى من خلاله ديكارت مفهوم الغير كطرف فعال في الوعي بالذات، باعتبارها ذاتا فردية قادرة على معرفة ذاتها بذاتها وبصورة مباشرة، ومن دون تدخل الغير ، أي أن الأنا تعيش عزلة أنطولوجية عن الغير حينما تصنع نفسها كانا مفكرة لا شك في وجودها مقابل الآخر القابل للشك، بل والمشكوك في وجوده أصلا ، ومن ثمة فالحقيقة اليقينية الوحيدة التي لا تقبل الشك وتفرض نفسها بشكل بديهي هي الأنا أفكر ، أما وجود الغير فمشكوك فيه ذاته وجودا استدلاليا صادرا عن عملية الاستدلال بالمماثلة، أي أننا لا نعترف بوجود الغير ودوره في معرفة الذات لذاتها مادامت ذاتا مفكرة وعليه يكون ديكارت قد اعتبر أن وجود الغير أو الآخر يظل وجودا احتماليا متوقفا على حكم العقل واستدلالاته وأن وجود الذات لا يكون إلا من خلال التفكير الممنهج دون الاعتماد على أحكام الغير ، ذلك لأنه بالتفكير نتمكن من عزل الأشياء أو الكائنات من أجل التفكير والنظر فيها منفصلة الواحدة عن الأخرى، وأن هذا الفعل الذي تقوم به تصاحبه معان في عقولنا ، وأن العقل عند مقارنته بين الكائنات يلاحظ أنه بينها تشابها وأمورا مشتركة كما يراها أشياء خارجة عن شعوره ، ذلك أن هذا الأخير لا يمكن أن يقع له الإدراك، وهو مستقل تماما عن الأشياء أو الموضوعات المشعور بها ، وعلى هذا النحو تحصل لهذه الكيفيات مدلولاتها ، ويحصل الإحساس بالتماثل بيننا وبين الآخر، وعلى هذا فوجود الآخر والشعور به و الاتصال معه متوقف على ما تقوم به الذات الفردية ( الأنا ) من أفعال باتجاهه، وهذه الذات تتعرف على العالم وعلى الغير بالعقل ، وهذا ما ينفى دور الغير في معرفة الذات لذاتها . وبهذا نجد أن ديكارت لم يكتف بتعليق الحكم أمام الأمور الداعية إلى الشك ، ولو أنه فعل لبقي مستلقيا على فراش الشك يهرب من الأشباح في أحلامه ، ولكنه إذ يذكر كل ما هو غير يقيني كوجود العالم الخارجي ووجود الآخرين ، ووجود جسده بالذات ، هذا الإنكار يتضمن دائما إثبات وجود الكائن الذي يفكر ، فإذا كنت أفكر فلأنني موجود ، هذه الملاحظة الوجدانية تصمد أمام هجمات الشك المتكررة، وتتحد أي روح شريرة. هذا التصور الديكارتي ما هو إلا تأكيد لنشاط الذهن الخالص ومعرفة فردية لا دخل للآخر فيها ، لأن التمييز بين الأشياء وفصلها عن الذات قدرة عقلية لا حسية ، ذلك أنه لو افترضنا أن الغير هو مصدر معرفتي لأصبحت هذه المعرفة نسبية لا يقينية ، لكن عندما ارتبطت بنشاط الذهن واستدلالاته أصبحت معرفة يقينية. مؤكدة على أن معرفة الذات لذاتها وإثبات وجودها يكون عن طريق الوعي لا الغير. هذه النظرة الديكارتية نجدها مجسدة في تصور الفيلسوف الفرنسي مالبرانش، والمؤكدة على نفي الآخر ، حيث أكد انه يستحيل أن تعرف على وجه الدقة وعي الآخرين وأفكارهم وأحاسيسهم ، غير أنني أستطيع على الأقل واعتمادا على المعرفة التي لدي عن حالات وعلي وشعوري الخاصة أن أفترض أو أخمن ما يجري في وعي الآخرين ، إن معرفة كهذه تعتمد على ما يسمى بالاستدلال بالمماثلة، يقول مالبرانش : فحن نفترض أن نفوس الآخرين هي من نفس نوع نفوسنا ، وما تشعر به نزعم أنهم يشعرون به. غير أن المعرفة التي تتوصل إليها عبر هذه المماثلة لا تكون صحيحة ويقينية إلا عندما يكون ما تشعر به مقطوع الصلة بالجسم ، فأنا استطيع مثلا أن أفترض أن الآخرين يعرفون بعض حقائق الرياضيات ، وقواعد الأخلاق كما أعرفها ، وأنهم يحبون الخير واللذة ويمقوتون الشعر والألم، ويرغبون في السعادة مثلي تماما ، وأنا على حق في كل هذا ، أما فيما يخص الأحاسيس التي يلعب فيها الجسم دورا من خلال تأثيره على النفس فإننا نخطئ عندما تنسبها للآخرين مفترضين أنهم يشبهوننا.

هنا أيضا يقول مالبرانش :" إن المعرفة التي لدينا عن الآخرين غالبا ما تكون عرضة للخطأ عندما تستند في حكمنا على الأحاسيس التي لدينا عن أنفسنا فقط " وهنا نجد مالبرانش ينفي دور الغير في تحديد المفاهيم والمعارف التي تصل إليها الذات، ويؤكد على أن كل ما تصل إليه هذه الأخيرة ما هو إلا نتاج نشاط الذهن، وبالتالي لمعرفة الذات لذاتها تتوقف على عامل الوعي باعتبارها خاصية فردية.

النقد :

إن الأحكام الذاتية غالبا ما تكون مبالغا فيها، ووعي الذات لذاتها ليس بمنهج علمي يقيني حتى نعتبره معرفة يقينية لا يوصلنا إلى نتائج موضوعية بل ذاتية ، فالمعرفة تتطلب وجود الذات العارفة وموضوع المعرفة ، في حين أن الذات وحدها لا يمكن أن تشاهد ذاتها بذاتها ذلك أن ما يعرف بالاستبطان عند علماء النفس أمر مستحيل ، لأن الذات وحدها لا يمكن أن تكون الملاحظ والملاحظ ، وأن تشاهد ذاتها بذاتها لأن الشعور هو دائما الشعور بشيء، فالفرد لا يمكن له أن يتأمل ذاته وهو في حالة الغضب أو الفزع ، لأن مجرد التفكير في ذلك ينقص من درجته يقول أو غيست كونت " الذات التي تستبطن ذاتها كالعين التي تريد أن ترى نفسها بنفسها.

التركيب :

بعد استقرائنا المسألة إمكانية معرفة الذات لذاتها دون الغير نجد هناك جدلا تضمن أطروحتين متناقضتين لذا يمكن القول بأن الأنا يتكون من خلال التفاعل القائم بين الأنا والآخر، وهذا ما يؤكد على الترابط الوثيق الموجود بينهما كون الفرد جزء من الكل ، فله أنا شخصي مرتبط بالصورة التي يكونها عنه الغير ، فالفرد مثلا لا يحس بقيمة فرحه إلا ضمن المجموعة وإلا يبقى حالة خاصة ويصبح هذا الشخص منطويا على نفسه الشيء الذي يسبب له عقد نفسية، لذا لا يمكن تجاوز الغير لكن ضمن المعقول، وهذا ما يؤكد دور التواصل بدلا من العزلة هذا التألف بين الأنا والغير أكد عليه غابريال مارسال عن طريق التفكير في الذات دون العزلة عن الغير ، أي تشكيل تكامل بين الأنا والأنا الجماعي.

الرأي الصحيح هو الذي يرى أن معرفة الذات تتم عن طريق التفاعل بين الشعور و الغير معا فلا يمكن تجاهل الشعور لإنه تجاهل للإنسان ولا يمكن حصر معرفة الذات في الشعور فقط لأنه توجد حالات لا شعورية يعجز الشعور عن تفسيرها ولا يفهمها إلا الغير.

حل المشكلة :

إن إدراك المرء لذاته لا يحصل دون وجود الوعي والغير في نفس الوقت ، لأن الإنسان في تعامله مع الآخرين من أفراد مجتمعه يتصرف بوعي، ويوفق بين ما يقوله الآخرون عنه وما يعتقده في نفسه.
0 تصويتات
بواسطة (1.8مليون نقاط)
هل معرفة الذات تكمن فيما يراه الغير فينا أم فيما نراه في أنفسنا؟

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى منصة انهض، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...