اثر التوسع الزراعي والرعوي الجائر في الموارد الطبيعية
تزداد الحاجة إلى المنتجات الزراعية بازدياد أعداد السكان ، ولتوفير هذه المنتجات يضطر الإنسان إلى التوسع في الزراعة وإنهاك الأرض بالزراعة المستمرة حتى يستطيع سد الفجوة الغذائية المتوقعة حاليا أو المحتملة مستقبلا دون تخطيط مسبق وهذا يؤدي إلى انحسار الغطاء النباتي الطبيعي مما يكون له أثاراً سالبة على البيئة.
بما أن تدهور الموارد الطبيعية المتجددة يأتي على رأس قائمة المشكلات التي تهدد مستقبل الإنتاج الزراعي والحيواني في السودان فإن هذه الوحدة الدراسية تستعرض كل مورد على حدة ، لتعرف ما يواجهنا من مشاكل في تلك الموارد وكيفية التعامل معها بغرض المحافظة عليها لفائدة الأجيال الحالية وأجيال المستقبل من أجل حياة واعدة يعمها الخير والرخاء. والموارد الطبيعية المتجددة تشمل مصادر المياه ، التربة ، والزراعة ، والغابات، والمراعي الطبيعية المتجددة، والحيوانات الوحشية والأليفة والثروة السمكية ، وهي التي تتجدد طبيعياً إذا توافرت لها الظروف البيئية الملائمة . بعد ذلك نتعرض للجفاف والتصحر الناتج عن سوء استغلال هذه الموارد الطبيعية والطرق والوسائل المناسبة لمعالجتها . ثم تتعرض إلى الحيوانات البرية في السودان وكيفية المحافظة عليها.
الموارد المائية :
تشكل الأمطار المصدر الرئيس للمياه لكل سكان السودان خارج الشريط النيلي تمثل كمية الأمطار بالإضافة إلى منسوب النيل وروافده المصدر الرئيس في تشكيل النسيج البيئي وتوازن النظام البيئي في السودان ، وبما أن الحزام الصحراوي وشبه الجاف يغطيان معظم مساحة السودان ، ولارتفاع درجة الحرارة فإن أكثر من ( ٨٥٪) من مياه الأمطار تتبخر قبل الاستفادة منها ، ويشكل الباقي المياه السطحية الموسمية ورطوبة التربة ، وجزء ضئيل منها يغذي المياه الجوفية.
إن كمية الأمطار هي التي تشكل تركيبة الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجموعات السكانية في معظم انحاء البلاد، حيث المراعي الطبيعية وتربية الحيوانات في الأطراف الصحراوية حتى الحزام الجاف، وإنتاج المحاصيل المطرية في حزام السافنا شبه الجاف والزراعة الغابية في الحزام الاستوائي.
إن أكثر ما يهدد هذا المورد الحيوي هو الجفاف العام الذي عم معظم هذه المناطق ، وللنشاط البشري دور كبير في زيادة حدة الجفاف وتعميق آثاره ، إذ أن التعامل العشوائي مع الموارد الطبيعية المتمثل في القطع الجائر للغابات، والرعي الجائر، بالإضافة إلى التوسع الزراعي الجائر ، هو الأساس في انحسار الغطاء النباتي الطبيعي الذي يمتص الأمطار وبعيدها مرة أخرى إلى الغلاف الجوي ، مع خفض درجة الحرارة وكسر حدة الرياح الجافة ، مما يساعد على هطول الأمطار واستمرار دورة المياه . لذا فإن ترشيد استغلال مياه الامطار ، والاستفادة القصوى منها أصبحت ضرورة لإعادة تعمير البيئة خاصة في الحزام الجاف وشبه الجاف لتفادي مشاكل انهيار قطاع الإنتاج الزراعي والحيواني التقليدي، والفشل المتكرر محاصيل الزراعة المطرية ، وحدوث المجاعات التي تؤدي إلى الهجرة الجماعية لسكان الريف إلى المدن.
أما نهر النيل فيشكل مصدراً أساسياً للمياه المستخدمة في الزراعة المروية وكل النشاطات الزراعية على ضفتيه، وأهم مصادر مياه نهر النيل هي الأمطار الموسمية في الهضبة الأثيوبية، لذلك نجد أن إيراد النيل الأزرق موسمي ومصحوب بمشكلة الأطماء التي تدل على انحسار الغطاء الشجري في أعالي الهضبة الاثيوبية، مما يسبب تعرية التربة ، أما النيل الأبيض فينتشر في منطقة المستنقعات حيث تعيش مجموعات سكانية تكيفت على الرعي وصيد الأسماك. ونهر النيل بالرغم من دوره في اقتصاد السودان. وارتباطه بحياة السكان ، فإنه مهدد بعدة مشاكل نذكر منها :
1- أعشاب النيل التي تزيد من كمية المياه المفقودة بالتبخر . الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية في مشاريع الزراعة المروية يؤدي لتلوث مياه النيل.
2- تغيير مجرى النيل ، والنقص المستمر في سعته نتيجة لتراكم العلمي بسبب انحسار الغطاء النباتي في أعالي النهر ، ونتيجة للزحف الصحراوي ودخول الكثبان الرملية إلى المجرى ، مما أدى إلى كثرة الجزر الرملية وزيادة مشكلة الهدام ، لذلك تجد أن إعادة تعمير الغطاء النباتي في أعالي النهر وعلى ضفافه ، وعدم قطع الغابات النيلية يشكل الحماية الوحيدة المتاحة لسريان الحياة في بلادنا.
أما المياه الجوفية فتعتبر مصدراً لمياه الشرب في الحزام الجاف وشبه الجاف ، لكنها محدودة التغذية ، وليس لها استخدام بذكر في الزراعة ، كما أن محدودية مصادر المياه الجوفية والسطحية الموسمية تؤدي إلى الازدحام حولها من قبل الرعاة وحيواناتهم ، مما يؤدي إلى إنهاك التربة ، والرعي الجائر ، وقطع الأشجار، والنتيجة الحتمية هي التصحر الأكيد حول نقاط المياه.
الغابات :
يعتمد معظم سكان السودان على الغابات اعتماداً أساسياً ومباشراً في حياتهم اليومية ، إذ أن الغابات تعتبر مورداً طبيعياً متجددا يوفر أكثر من (۸۲) من الطاقة المستهلكة في السودان ( مع ملاحظة الاكتشافات البترولية مؤخراً والتي سوف تقلل من هذه النسبة ) ، وتنتج الغابات حوالي ( ٣,٦ مليون ) متر مكعب من الأخشاب و ( ٥ مليون ) طن من الأعلاف و ( ۳۰۰ ألف طن ) من الثمار و ( ۷۰ ألف طن من الصمغ العربي و ( ٣٥ ألف طن ) مواد دابغة وأصباغ. إن الصمغ العربي هو ثالث محصول نقدي في السودان تنتجه شجرة ( الهشاب ) دون أي مدخلات إنتاج ، بالإضافة إلى أن شجرة الهشاب تقوم بتسميد التربة وذلك لقدرتها على تثبيت النتروجين الجوي. كما أن الغابات توفر البيئة المناسبة لكثير من الحيوانات البرية. بالإضافة إلى أنها تعتبر أماكن للترفيه والترويح.
لكل ما سبق نستطيع القول أن الغابات تمثل ثروة قومية يجب المحافظة عليها. تعرضت الغابات في السودان إلى الانحسار بمعدل مرتفع في العقدين السابقين وذلك العدة عوامل :
1- التوسع في مشاريع الزراعة الآلية على حساب المساحة الغابية وقطع الأشجار دون أي اعتبار لأهميتها في حفظ التوازن البيئي.
2- الحرائق وتجارة الحطب والفحم.
3- الرعي الجائر.
ومما يدعو للاطمئنان أن هناك مشاريع كثيرة تعمل على إعادة تعمير الغابات بدعم من منظمات عالمية ، أشهرها مشروع إعادة تعمير حزام الصمغ العربي ، وتلك المشاريع تحتاج إلى دعم من الدولة لتصبح أكثر كفاءة ، كما تحتاج إلى دعم البحوث في مجال تكثيف وتنويع الغطاء الشجري، خاصة الاشجار سريعة النمو ذات العائد الاقتصادي المجزي ، كذلك الاهتمام بحماية المشاريع الزراعية ، وذلك بزراعة الأحزمة الشجرية وإيجاد مصادر بديلة للطاقة ، وأن يكون ذلك مصحوباً بإرشاد غابي مكثف يهدف إلى توعية المواطنين بأهمية الغابات.
المراعي :
تقدر مساحة المراعي في السودان بحوالي ( ۲۷۹ ) مليون فدان ، تنتج حوالي (۷۷) مليون طن من العلف تكفي لتغذية حوالي ( ۲۲ ) مليون وحدة حيوانية، ومع أن الزيادة المستمرة في أعداد الحيوانات والتي تفوق طاقة المرعى تؤدي إلى الرعي الجائر ، إلا أن التوسع في الزراعة الآلية وزراعة الأراضي الهامشية والحرائق الموسمية كان لها الدور الأساسي في تدهور المراعي الطبيعية في السودان. إن استقطاع أي مساحة إضافية من أراضي المراعي للتوسع في الزراعة الآلية سيؤدي حتماً إلى المزيد من التدهور والمزيد من الجفاف والتصحر ، ويكمن حل مشكلات المراعي في توفير الظروف الملائمة والاحتياجات اللازمة الحماية وزيادة الطبيعية وتحسين أنواع النباتات لتصبح أكثر إنتاجية ومقاومة للجفاف والأمراض ، كما يجب إدراك أهم مقومات الإنتاج والمتمثل في الإنسان نفسه، وبالتالي يكون الاهتمام بالرعاة وتحسين مستوى معيشتهم من أهم الواجبات الأساسية للدولة في هذا المجال كما أن تخفيض أعداد الحيوانات يعتبر من أهم العوامل التي تخفف الضغط على المرعى وتحد من الرعي الجائر. تلخص إستراتيجية إدارة المراعي وإعادة تعميرها في الآتي :
1- وقف التوسع الزراعي في المناطق الهامشية.
2- إعادة تعمير المراعي المتدهورة بالحجز والاستزراع.
3- تطوير الموارد الرعوية باستزراع النباتات ذات القيمة الغذائية العالية ، والتي تستطيع أن تتكيف مع الظروف السائدة.
4- الحد من انتشار الحرائق.
5- إعادة تعمير المراعي المتدهورة حول موارد المياه، وتطوير نظام المرعى البور مع فتح مناطق رعي جديدة بتوفير المياه إدخال زراعة الأعلاف في المشاريع الزراعية المختلفة.
6- زيادة حجم المسحوب السنوي من الماشية والضأن لحفظ التوازن بين أعداد الحيوانات وحمولة المرعى.
الزراعة :
تمثل الزراعة القطاع الإنتاجي الأول في السودان ، ولكنها في نفس الوقت تعتبر من العوامل الرئيسة للتدهور البيئي في البلاد ، إذ أن أي أرض تستقطع الزراعة المحاصيل تكون على حساب البيئة الطبيعية أو الغابات أو المراعي ، وبالتالي تعتبر عاملاً من عوامل التدهور البيئي حتى لو كانت جيدة التخطيط ، فكيف يكون الحال عندما تكون الزراعة عشوائية ودون اعتبار المقومات التوازن البيئي الذي يشكل ركيزة استمرارية الإنتاج الزراعي نفسه.
هناك اربع مشاكل تواجه الزراعة في السودان تتمثل في :
أ- التوسع الجائر في الزراعة :
يعني التوسع الزراعي فوق طاقة النظام البيئي ومقومات الإنتاج ، فالزراعة في المناطق الهامشية تعتبر زراعة جائرة ، بالإضافة إلى الزراعة الآلية خارج التخطيط والتي تشكل حوالي ( ٦٠٪ ) من المساحة المطرية المزروعة آليا.
القضية الأساسية تتمثل في المحافظة على الحد الأدنى من البيئات الطبيعية المراعي والغابات) وذلك للمحافظة على منسوب الأمطار، وتنظيم درجة الحرارة وكسر حدة الرياح التي تتسبب في تعرية التربة ، هذا بالإضافة إلى التنوع الأحيائي ، وجميعها تعتبر عوامل أساسية للمحافظة على التوازن البيئي.
لقد كانت الزراعة التقليدية في الماضي متوافقة مع البيئة ومقوماتها ، وذلك باتباع نظام الدورة الزراعية والمحافظة على الغطاء الشجري للرعي والاحتطاب ، إلا أن الزراعة الآلية استقطعت الكثير من أراضي هذا النظام مما دفع المزارعين التقليديين لإنهاك التربة واللجوء إلى الأراضي الهامشية وقطع الأشجار بحثا عن الدخل الإضافي فأدى إلى تصحر معظم أراضي الزراعة التقليدية ، ومما يزيد الأمر سوءا أن المزارع التقليدي يعيش على الكفاف ، ويستخدم تقنيات تقليدية في الإنتاج والحصاد والتخزين ، مما يؤدي إلى إهدار الكثير من الجهد.