الخصائص الطبيعية للوطن العربي وأثرها على النشاط البشري
سبق أن قدمنا أن وطنك العربي الكبير يشغل مساحة كبيرة من الأرض تمتد من شاطيء المحيط الاطلنطي في الغرب الى شاطىء الخليج العربي في الشرق كما يمتد من أقصى الحدود الشمالية السورية والعراق الى أقصى الحدود الجنوبية في السودان هذا الامتداد الكبير للوطن العربي من أقصى شمال سوريا والعراق حيث النطاق المعتدل المناخ وإن كان يميل الى البرودة شتاء وسكانه الذين يشتغلون بالزراعة وتربية الاغنام الى أقصى جنوب السودان حيث النطاق الاستوائي بحرارته الشديدة وغاباته وسكانه الذين يقطعون الأشجار ويزرعون النباتاتالجذرية.
يحملنا كل هذا الى القول أن هناك اختلافاً بين النطاقين ، وكذا بين هذين النطاقين والنطاق الصحراوي الذي يرجد بينهما ، اختلاف في المناخ والنبات والاعمال التي زاولها سكان كل نطاق . فما أسباب هذا الاختلاف في المناخ والنبات وأعمال السكان بين أرجاء هذا الوطن؟
و يرجع هذا الاختلاف والتنوع الى عوامل أهمها :
أولا : إختلاف في درجات الحرارة بين أرجاء هذا الوطن :
١ - ففي الصيف : تكون الشمس عمودية على مدار السرطان ويترتب على ذلك :
• ان أشد جهات الوطن العربي حرارة هي القسم الأوسط الذي يشغل نطاق الصحراء.
• ان الاطراف الجنوبية أقل حرارة من سابقتها اذ يعمل تساقط المطر والغطاء النباتي على تلطيف شدة الحرارة.
• ان الجهات الشمالية التي تطل على البحر المتوسط معتدلة.
٢- وفي الشتاء : تكون الشمس عمودية على مدار الجدي ويترتب على ذلك :
• ان الجهات الجنوبية مرتفعة الحرارة بوجه عام.
• ان الجهات الشمالية التي تطل على البحر المتوسط دفيئة.
• ان الجهات الداخلية باردة نوعاً وتكسو الثلوج الجبال العالية كما في جبال اطلس وجبال لبنان ومهما كان الاختلاف في درجات الحرارة فهي كافية على مدار السنة للزراعة وإنضاج المحاصيل ، وهذا الاختلاف ساعد في الوقت نفسه على تنوع المحاصيل التي تنتجها أقطار هذا الوطن . فقد أمكن زراعة المحاصيل التي تحتاج الى حرارة عالية في أثناء النمو مثل القطن والموز في سهل تهامه الحرارته الشديدة . كما أمكن زراعة القمح والشعير وأشجار الموالح كالبرتقال واليوسفي التي تحتاج الى حرارة معتدلة في الجهات الشمالية من هذا الوطن التي تمتاز باعتدال الحرارة.
وإذا صعدت فوق الجبال في لبنان أو فوق جبال الاطلس في بلاد المغرب حيث تنخفض الحرارة وتكثر الامطار لوجدت أشجار الغابات المعتدلة كأشجار الأرز والصنوبر.
ثانيا : اختلاف في كميات المطر ومواسم سقوطه بين أرجاء الوطن العربي : ادرس خريطة توزيع الامطار في الوطن العربي ( ش ٣ ) واستخلص منها :
1 - الجهات وفيرة المطر.
2- الجهات التي تخلو منه.
3- الجهات متوسطة المطر.
4- في أي اتجاه نقل امطار بلاد المغرب والشام والسودان ؟ الخلاصة :
• ان قلب الوطن العربي الذي يضم الصحراء الكبرى والصحراء العربية وامتدادها في بادية الشام يكاد يخلو من المطر.
• ان الجهات الشمالية التي تطل على البحر المتوسط تسقط عليها الأمطار شتاء.
• ان الجهات الجنوبية للوطن العربي تسقط عليها الأمطار صيفاً ما عدا سلطنة عمان فتسقط بعض أمطارها شتاء.
ومن هذا العرض يتبين لك ان هناك اختلافاً كبيراً بين أجزاء الوطن العربي من حيث كمية الأمطار وموسم سقوطها . في الاجزاء التي تكثر فيها الأمطار يشتغل الناس بالزراعة وفي الاجزاء التي تقل فيها الأمطار يشتغل الناس بالرعي وفي الجهات التي يندر فيها سقوط المطر تنعدم الحياة النباتية إلا في الواحات والزراعة في الوطن العربي تعتمد إما على الامطار الوفيرة كما في اليمن العربية وبلاد المغرب والشام أو على موارد المياه كالانهار كما في مصر أو الآبار والينابيع كما في الواحات.
أما الرعي فيختلف في الوطن العربي من منطقة لأخرى ، فحيث يكون المطر غزيراً ينمو العشب الطويل الذي ترعاه الأبقار كما في غرب السودان ، وحيث يكون المطر قليلاً ينمو العشب القصير الذي ترعاه الغنم والماعز والابل.
أما المناطق الصحراوية فتخلو منها الزراعة او الرعي لندرة المطر . من هذا الوصف ترى أن الأمطار في الوطن العربي تختلف من حيث كميتها ومن حيث فصل سقوطها من جهة الأخرى. فما سبب ذلك؟
السبب يرجع الى ان نوع الرياح التي يتعرض لها الوطن العربي ليست واحدة وانما تختلف الرياح في فصل الصيف عنها في فصل الشتاء وهذا ما سنوضحه لك من دراسة الخريطتين.
١ - تهب الرياح التجارية الشمالية الجافة على شمال الوطن العربي تهب الرياح الموسمية الرطبة وتسقط أمطاراً على اليمن.
۲- تهب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية على جنوب السودان ووسطه. وفي الشتاء :
۱ - تهب الرياح التجارية الشمالية الجافة على اغلب الوطن العربي . تهب الرياح العكسية الممطرة على الاجزاء التي تطل على البحر المتوسط وتصل أمطارها الى الاردن وشمال العراق.
٢- تهب الرياح الشرقية على عمان وعلى الاخص على سفوح الجبل الاخضر وهي ممطرة لمرورها على خليج عمان . من هذا يتضح ان هناك عدداً من الرياح تهب على أجزاء الوطن العربي بعضها ممطر والبعض الآخر جاف.
ثالثا : اختلاف الظاهرات التضاريسية في الوطن العربي :
1 - ان الجهات المتوسطة الارتفاع تشغل معظم الوطن العربي وهي عبارة عن هضاب ليست عالية فلا يزيد ارتفاعها عن ٦٠٠ متر فوق سطح البحر وتضم هضبة افريقيا الشمالية وهضبة شبه الجزيرة العربية.
2- ان الجهات المرتفعة عبارة عن جبال بعضها شاهق ( ٤٠٠٠ متر فوق سطح البحر ) مثل جبال أطلس في بلاد المغرب ، والبعض الآخر أقل من سابقتها في الارتفاع مثل مرتفعات البحر الأحمر في مصر والسودان وجبال الحجاز وجبال اليمن.
3- ان الجهات المنخفضة هي التي تمثلها السهول مثل الأراضي التي يجري فيها نهرا دجلة والفرات في العراق والأراضي التي يجري فيها نهر النيل في مصر والسودان والسهول الساحلية التي تمتد على طول السواحل العربية.
فالظاهرات التضاريسية إذن كما نرى متنوعة بين الجبال الشاهقة والجهات المنخفضة والهضاب المستوية ، مما كان له أكبر الأثر في تنوع أعمال السكان في وادي النيل الخصيب يزرع السكان المحاصيل الزراعية التي تأتي بالانتاج الوفير والنوع الجيد . وفي الهضاب وفي غيرها مثل المناطق قليلة العشب يشتغل السكان بتربية الحيوان مثل الأغنام والماعز والأبقار كما هو في هضاب بلاد المغرب وفي جنوب السودان.