تعريف مفهوم النقد العربي القديم ومراحل تطوره
• ما هو النقد لغة؟ واصطلاحا
• أهمية النقد العربي؟
• وظيفة النقد الأدبي وأهميته؟
• العلاقة بين الإبداع والنقد العربي
• مراحل تطور النقد العربي القديم؟
أولا: النقد
مفهوم النقد لغة: نستنتج من البحث في مختلف القواميس والمعاجم العربية أن كلمة (نقد) لها معان كثيرة مختلفة، تكتفي بذكر أهمها:
النقد: تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها؛ أنشد سيبويه:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة * نفي الدنانير تنقاد الصياريف
«نا قدت فلانا إذا ناقشته في الأمر»
النقد كالتنقاد والانتقاد والتنقد وإعطاء النقد والنقر بالإصبع في الجوز، وأن يضرب الطائر بمنقاده أي: بمنقاره في الفخ والوازن من الدراهم، واختلاس النظر نحو الشيء.
وفي حديث أبي الدرداء أنه قال: «إن نقدت الناس نقدوك وإن تركتهم تركوك).
تحمل هذه المعاني في كون النقد هو تمييز حيد الدراهم وفصلها عن المزيف منها، والمناقشة، والبحث والتنقير، واختلاس النظر، وتتبع عيوب الناس.
ويكون المعنى الأول هو الأقرب إلى معنى النقد الذي يقوم على الفرز والتدقيق والحكم على الدرهم الوازن وفصله عن الدراهم المغشوشة، وهي عملية لا يقوم بها إلا متخصص.
وكما يكون هذا الفرز والتصنيف في العملة النقدية، فإنه يكون كذلك في النصوص الأدبية.
تعريف النقد اصطلاحا: عرف النقد بأنه: تخليص جيد الكلام من رديئه، أو هو علم جيد الشعر من رديئه)، وقد اهتم العرب به منذ عهد مبكر، وكانوا يطلقون على ما روي من أحكام ذوقية اسم "النقد" وإن لم تكن لديهم كتب مصنفة فيه.
ويقترب هذا التعريف من تعريف محمد مندور للنقد إذ يقول: «النقد الأدبي في أدق معانيه هو فن دراسة الأساليب وتمييزها، وذلك على أن تفهم لفظة الأسلوب بمعناها الواسع، فليس المقصود بذلك طرق الأداء اللغوية فحسب، بل المقصود منحى الكاتب العام وطريقته في التأليف والتعبير والتفكير والإحساس على السواء.
ثمة تقارب شديد بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للنقد، فكلاهما يتلخص في التمييز بين الجيد والرديء وفصلهما، وبذلك يكون النقد الأدبي في المصطلح الخاص هو تقدير النص الأدبي تقديرا صحيحا وبيان قيمته في ذاته ودرجته الأدبية بالنسبة إلى غيره من النصوص، على أن يكون ذلك مستندا إلى الفحص الدقيق والموازنة العادلة والتمييز المعتمد على المعرفة الصادقة، ليكون الحكم آنذاك - قريبا إلى الصحة قربا لا يخل به سوى عدم عصمة الإنصاف.
ثانيا: الناقد
ويصدر هذا الحكم عن الشخص المشتغل بالنقد، وهو الناقد، قارئ متمرس بالنصوص الأدبية امتلك سلطة دراستها وتفسيرها وتقديمها إلى القراء، وقد انتهى فيها إلى حكم معين.
ولكي تكون أحكامه وملاحظاته محل احترام وتقدير من طرف القراء، وجب أن تتوفر فيه جملة من الشروط أهمها:
1 - الثقافة: النقد نشاط فكري ثقافي يهدف إلى التقويم والبناء، ولذلك وجب على الناقد أن يكون مثقفاة ملما بمجموعة من المعارف مطلعا على كثير من العلوم التي تساعده في فحص العمل الأدبي بالاتكاء على حسنه وذوقه الرهيف، وعمق رؤيته، والهدف من التسلح بهذه المعارف المختلفة (علم النفس علوم اللغة، التاريخ الفلسفة، علم الجمال.....) هو استغلالها لتحليل النصوص الأدبية، والكشف عن مواضع الجمال فيها، لا صبها على النص الأدبي.
2 - الموضوعية: تعني الموضوعية النظر في الموضوع بعيدا عن إكراهات الذات ومزالق الهوى، ولأن الناقد إنسان يتأثر بالظروف المحيطة به، ولأنه لا يستطيع أن يتخلص تماما من بعض الذكريات والمواقف التي تسير اهتمامه وتؤثر في نظرته إلى الأمور، فإن مطلب الموضوعية التامة يبقى مستحيل التحقق بشكل تام، إلا أنه على الناقد النزيه أن يتعامل مع النص الأدبي بعيدا عن الهوى والعاطفة متسلحا بمجموعة من المناهج النقدية التي تساعده على الدخول إلى عوالم النصوص.
ثالثا : وظيفة النقد الأدبي وأهميته :
ليس النقد الأدبي ترفا يحظى به قارئ في لحظة إعجاب بالنص المقروء ، وهو ليس حكما يعطى دون ممارسة راسخة، وتعامل مؤسس مع النصوص الأدبية، ذلك لأنه تعامل مباشر مع النص، تراث الأمة وأحد أهم مكوناتها الفنية والجمالية، وتتلخص أهمية النقد ووظيفته فيما يلي: تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنية، وبيان قيمته الموضوعية، وقيمته التعبيرية والشعورية، وتعيين مكانه في خط سير الأدب، وتحديد ما أضافة إلى التراث الأدبي في لغته وفي العالم الأدبي كله، وقياس مدى تأثره بالمحيط، وتأثيره فيه، وتصوير سمات صاحبه، وخصائصه الشعرية والتعبيرية ، وكشف العوامل النفسية التي اشتركت في تكوينه والعوامل الخارجية ايضا.
يتبين أن النقد احتفاء بالعمل الأدبي وإثراء له، لما له من قدرة على التقويم، وكشف الجدة التي تعطى للنصوص مشروعية في الوجود الذي سنته التطور والتجدد، كما أن النقد يقوم مقام الواسطة بين النصوص والقراء، خاصة ذلك القارئ العادي الذي لا يهمه من العمل الأدبي إلا اقتناص المتعة الجمالية دون الخوض في تبرير أو تعليل، بالإضافة إلى الإسهام في النهوض بالأدب وتوجيهه إلى الصورة المثالية الراقية التي يتطلع إليها الأدباء والقراء والنقاد على حد السواء.
رابعا: العلاقة بين الإبداع والنقد :
يرتبط النقد والإبداع الأدبي بعلاقة وطيدة، فلا وجود لنقد دون نصوص أدبية، ولا ارتقاء أو تطور للأدب دون النقد، إنها علاقة دقيقة، إنهما يلتقيان في كثير من العناصر ولكنهما يحتفظان باستقلاليتهما ، فالأدب لا يستغني عن النقد كما أن النقد لا يمكن أن تجده دون نص أدبي ، حتى التنظير النقدي لا يأتي من أفكار مجردة فقط، وإنما محتدا مع نصوص أدبية يستنبط منها أحكاما نظرية.
خامسا: تطور النقد العربي القديم :
يولد النقد مع الأدب، وهذا حاله لدى الأمم جميعا، وكذلك كان شأنه لدى العرب ؛ فقد نشأ مع الشعر العربي الذي لا نستطيع معرفة تاريخ نشأته على وجه الدقة.
الرأي الاول: يتفق كثير من الباحثين على أن النقد في العصر الجاهلي لم يكن سوى أحكاما قائمة على الذوق الخالص الذي مبعثه الإحساس العالي بالفنون القولية العربية وعلى رأسها (الشعر)، ويمكن أن نوجز سمات النقد الجاهلي في نقاط هي:
١- الطبع أي أن أحكامه كانت قائمة على الطبع والسليقة دون سند خارجي لهذا الطبع، فهم لم يعللوا لأحكامهم ولم يحتاجوا لمن يضع لهم المقاييس ليتبعوها وإنما كانت أحكامهم النقدية نابعة من الخبرة المتأنية من قول الشعر إذ أن أغلب أصحاب هذه الأحكام كانوا شعراء.
٢- التعميم: وهو نتاج الطبع والسليقة، ومثاله أن يقول النابغة لعبيد بن ربيعة: «أنت أشعر بني عامر، أو اذهب فأنت أشعر العرب، أو لقيس بن الخطيم: «أنت أشعر الناس»، أو يقول للخنساء: «أنت أشعر من كل ذات مثانة، دون أن يبين سببا لحكمه وتفضيل واحد من الشعراء على الجميع.
٣- الإيحاء ومن أمثلته قول امرئ القيس وقصيدة محبره، وهنا إيحاء بالتحبير الذي هو نسج للثياب فكما تتنوع أشكال الثياب فكذلك القصيدة تحير بكل ما يجعلها جميلة تستلذ بها الأسماع وتحتز لها النفوس.
٤- الإيجاز: نحو قول النعمان للتابعة: هذا بيت إن أنت لم تتبعه بما يوضح معناه، كان إلى الهجاء أقرب منه إلى المديح، دون أن يبين أو يفسر كيف ينصرف معنى البيت إلى الهجاء).
الرأي الثاني : في القرن الأولى الهجري أخذ النقد العربي في التطور في هذا القرن، ولكنه تطور لا يبعد به كثيرا عن النقد الجاهلي، وقد عرف في هذا القرن شعراء برزوا في فنون شعرية معينة مثل جرير والأخطل والفرزدق الذين سموا شعراء النقائض، واشتهر عمر بن أبي ربيعة بالغزل والكميت بهاشمياته، وقد واكب هذا التطور في الفنون الشعرية تطور في النقد وإجمالا فإن العملية النقدية في القرن الذي تتحدث عنه القرن الأول الهجري لم تعد في أغلبها أن تكون انطباعات تأثرية سريعة فيها أحكام نقدية عامة كبيرة منطلقة من ظواهر خاصة صغيرة.
اما في القرن الثاني الهجري فقد نشطت حركة النقد اللغوي في هذا القرن، وقد أثرت هذه الحركة النقد العربي القديم عموما، وقدمت له الكثير، على الرغم من الثورة على النقد اللغوي من قبل الشعراء الذين عدوا نقد اللغويين لهم زراية بهم وحطا من شأنهم بتتبعهم المواطن الخطأ اللغوي في النص الشعري، ذلك أن النقاد اللغويين قد صرفوا عنايتهم إلى لغة الشعراء ومتابعة ما في شعرهم من مواطن الخطأ التي تشير إلى الخروج على أساس اللغة الصحيحة وبذلك تستطيع القول إن النقد اللغوي عند لغوي هذا القرن، كان نقدا لغويا محضا، ركزوا فيه على مدى صلاحية الشعر المحدث للاحتجاج اللغوي، ومن هنا كان اعتناؤهم بهذا العامل اعتناء كبيرا، لأنهم أرادوا من وراء ذلك التحقق من صحة استعمالاتهم لغة وصرفا.
اما في القرن الثالث هجري نشطت فيه الحركة الأدبية في القرن الثالث الهجري بالإضافة إلى اتساع الحركة العلمية التي اعتمدت على الترجمة، وشهدت الثقافة العربية ثراء كبيرا باتصالها بالثقافات الأجنبية، وكان لهذا أثره الواضح في تطور حركية النقد العربي القديم الذي عرف قضايا عديدة وضعت فيها المصنفات وألفت لأجل مناقشتها وبيانها الكتب، وكان لظهور شاعر مبدع - في هذا القرن خالف القديم وخرج على عمود الشعر العربي أثر كبير وواضح في ثراء النقد العربي وتطوره، ذلك الشاعر كان أبا تمام الذي كتب بسبب شعره النقاد في (القديم والحديث) و (السرقات) و (اللفظ والمعنى وغيرها، لذلك يصح أن يوصف نقد القرن الثالث بأنه «مرحلة انتقالية بين النقد الذاتي الذي جاءت تنف منه في كتب الأدب التي أزحت للشعر الجاهلي والإسلامي، وبين النقد الموضوعي المنهجي الذي تلتقي به في القرون التي تلت هذا القرن» .
النقد في القرن الرابع الهجري :
يصف طه أحمد إبراهيم النقد في القرن الرابع بقوله: «كان النقد في القرن الرابع خصبا جدا، كان متسع الآفاق، متنوع النظرات معتمدا على الذوق الأدبي السليم مؤتنسا بنواحي العلم في الصورة والشكل لا في الجوهر والروح، إن حلل فبذوق سليم، وإن علل بمنطق شديد.